منذ أسابيع قليلة شعرت بأن برشلونة لديه نية في تغيير أسلوب لعب الفريق مع فالفيردي لتطبيق بعض الأفكار الجديدة، أو بالأحرى هناك نية للتخلي عن القالب الفلسفي الذي أوجده بيب جوارديولا واشتهر به الفريق “الاستحواذ والتيكي تاكا هو الغاية والوسيلة”.
هذا الشعور تسلل لي من مراجعة بعض المباريات لأتلتيك بيلباو في المواسم الماضية، مواجهات ضد فرق أضعف منه، أو توازيه بالقوة لبيلباو، أو ضد فرق أقوى منه، لم أعتمد على مواجهات ريال مدريد وبرشلونة لأنها تجبر أحياناً المدرب على تغيير فلسفته بسبب فارق الجودة الكبير.
على أية حال، معظم المباريات وضحت أمرين رئيسيين في أسلوب لعب فالفيردي: 1- الضغط العالي الهائل والجنوني والمتواصل على المنافس في مناطقه 2- المباشرة بشكل كبير جداً بالتوجه نحو المرمى لتسجيل الأهداف.
ربما نقول “برشلونة قريب من فلسفة فالفيردي لأنه يطبق الضغط العالي في السنوات الأخيرة” لكن الحقيقة مختلفة، التشابه فقط يحدث حين فقدان الكرة وبشكل نسبي وليس كامل، لكن حين امتلاك الكرة (وهو الأساس في أسلوب لعب البرسا مع بيب أو حتى كرويف) فإن الفكر مختلف، فالفيردي يبحث دائماً عن أقصر طريق تقوده إلى المرمى بشكل مباشر بدون أي تأخير أو تعقيد، وأسلوب لعب برشلونة كان مختلف بإتباع النهج العرضي، الاستحواذ، التمرير القصير، والبناء الطويل الأمد للهجمات.
فالفيردي يطبق الضغط العالي بشكل متواصل، وحين امتلاك الكرة يعمل بأقل عدد من التمريرات على الوصول للمرمى واستغلال حالة انعدام التوازن لدى المنافس، أي أنه يضغط للحصول على الكرة بنية تسجيل الأهداف كأسلوب لعب رئيسي، وفي عهد بيب كانت الفكرة مختلفة حيث كان الضغط يأتي لمنع المنافس من شن الهجمة المرتدة والسماح للظهيرين بالارتداد لمناطقهم وإغلاق المساحات قدر الإمكان.
ليس هذا فقط، فالفيردي بعد خطف هدف أو اثنين يتراجع للخلف دائماً للحفاظ على تقدمه، يتراجع بتسعة لاعبين، وينقل الضغط على حامل الكرة من مناطق المنافس إلى وسط ملعب فريقه (بيلباو) في هذه الحالة يعمل على خطف الكرة على بعد 20 متر عن خط المنتصف، وحين الحصول عليها يقوم في الغالب أحد لاعبيه بإرسالها بتمريرة طويلة عالية نحو مهاجمه المتمركز بين المدافعين، وفي الغالب يكون أدوريز، والذي يستغل طول قامته لعكس اتجاه الكرة نحو اللاعب المنطلق في المساحة الفارغة ! نعم هي نوع من أنواع الهجمات المرتدة مع بعض الاختلافات.
هذه الأفكار توقعت أنها نتجت لأن بيلباو لا يملك أفضل من ذلك، لا يملك ميزانية للتعاقد مع لاعبين خط وسط بجودة عالية يمنحون المدرب خيارات أخرى في اللعب، ولم أستبعد أن يغير فالفيردي من فلسفته في برشلونة بتواجد إنييستا وبوسكيتس مع إمكانية التعاقد مع لاعب بنفس جودتهم، لكن مع مرور الوقت بدأ يتضح أكثر بأن التوجه في برشلونة يتعلق بتغيير فلسفة اللعب.
ما وضح ذلك هو الكلاسيكو الأخير خلال أول 30 دقيقة منه، برشلونة عندما كان يتعرض لضغط ريال مدريد العالي لم يكن يحاول التدرج بالكرة بل كان يعمل في الغالب على إرسال الكرة الطويلة العالية نحو مناطق الريال باتجاه سواريز، هذه الحالة تكررت أكثر من مرة ولو تذكرون جيداً فإن أخطر فرص برشلونة خلال الشوط أتت بهذا الأسلوب لكن مع تطبيق مختلف، لويس سواريز تحرك بظهر المدافعين واستقبل الكرة العالية داخل منطقة الجزء، روضها وسدد مباشرة.
صفقة باولينيو أتت لتؤكد هذه الأفكار، حسب موقع جلوبو سبورت فإن برشلونة تواصل مع الاتحاد البرازيلي لكي يتأكد من قدرة اللاعب على خدمة الفريق بشكل فعال، الاتحاد نصحهم بعدم التعاقد مع باولينيو لأنه لا يناسب أسلوب لعبهم الذي يعتمد على التمريرات القصيرة والعرضية والاستحواذ، لكن حينها أتى الجواب مفاجئاً من برشلونة “نبحث عن لاعب في خط الوسط يجيد اللعب بشكل عامودي باتجاه مرمى المنافس وينجح في كسر خطوطه بشكل مباشر”.
ربما هذا يفسر سبب العزوف عن التعاقد مع جيان سيري رغم أن الكثيرون شبهوه بأسلوب لعب تشافي، وربما يفسر أيضاً الإصرار على التعاقد مع فيليب كوتينيو كصانع ألعاب وليس جناح هجومي أيسر يعوض نيمار بالشكل التقليدي، وهو ما أكدت عليه صحف برشلونة كثيراً.
وحتى أكون صادقاً، لا أقول هنا أن برشلونة لن يستحوذ على الكرة مع فالفيردي، وبمعنى أصح؛ فارق الجودة الواضح لصالح برشلونة سيجعله دائماً صاحب النسبة الأعلى بالاستحواذ على الكرة، لكن الهدف من الاستحواذ سيكون مختلف، مع فالفيردي ستكون الفلسفة حين امتلاك الكرة بالتوجه مباشرة نحو المرمى، وفي حال فقدانها العمل على استعادتها سريعاً للتوجه مرة أخرى نحو المرمى بشكل مباشر … وهكذا.
في عهد بيب الوضع مختلف، الاستحواذ هو الوسيلة للوصول إلى مرمى المنافس بطريق طويل الأمد، تحطيم تركيز المنافس أثناء ذلك، مع جعله ينهار على الصعيد النفسي بل والبدني. الاستحواذ في عهد بيب كان الوسيلة، بل والغاية أحياناً. الاستحواذ كان الوسيلة لكي يبحث الفريق عن تسجيل الأهداف أو للحفاظ على مرماه من عدم تلقي الأهداف، وتحول إلى غاية باعتباره “برسيتج” لا يمكن التنازل عنه. هي مسألة فلسفية، لكن يكون لها فارق في الملعب سنفهمه أكثر مع مرور الوقت
أسلوب لعب برشلونة ربما يتغير، هو بالفعل اختلف مع إنريكي بالاعتماد على منظومة MSN المباشرة على المرمى، لكن التغيير كان حينها متبع أثناء تسجيل الأهداف وليس كنهج وأسلوب لعب طوال المباراة.
طبعاً هذه نظرة أولية، الموسم كفيل بإيضاح كل شيء، فربما يمزج فالفيردي بين الأسلوبين